هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هَئَنَذَا مُصْدِرٌ عَلَيْكُمْ شَرّاً وَقَاصِدٌ عَلَيْكُمْ قَصْداً. فَارْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طَرِيقِهِ الرَّدِيءِ وَأَصْلِحُوا طُرُقَكُمْ وَأَعْمَالَكُمْ».(ار18: 11)،
مُصَوِّرُ النُّورِ وَخَالِقُ الظُّلْمَةِ صَانِعُ السَّلاَمِ وَخَالِقُ الشَّرِّ. أَنَا الرَّبُّ صَانِعُ كُلِّ هَذِهِ. (اش45: 7)،
أَمْ يُضْرَبُ بِالْبُوقِ فِي مَدِينَةٍ وَالشَّعْبُ لاَ يَرْتَعِدُ؟ هَلْ تَحْدُثُ بَلِيَّةٌ فِي مَدِينَةٍ وَالرَّبُّ لَمْ يَصْنَعْهَا؟ (عا3: 6)،
فهل الله خالق الشر؟
بداية الكتاب المُقدس في كثير من المواضع ينفي عن الله ان يكون هو مسبب او مصدر الشر؛ لأَنَّ اللهَ لَيْسَ إِلَهَ تَشْوِيشٍ بَلْ إِلَهُ سَلاَمٍ.(1كو14: 33)، هُوَ الصَّخْرُ الكَامِلُ صَنِيعُهُ. إِنَّ جَمِيعَ سُبُلِهِ عَدْلٌ. إِلهُ أَمَانَةٍ لا جَوْرَ فِيهِ. صِدِّيقٌ وَعَادِلٌ هُوَ. (تث32: 4)، لاَ يَقُلْ أَحَدٌ إِذَا جُرِّبَ إِنِّي أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ، لأَنَّ اللَّهَ غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ وَهُوَ لاَ يُجَرِّبُ أَحَداً. (يع1: 13).
وفي نص سفر عاموس يتحدث الرب خصيصاً عن تعليم مُحدد ويُمكن معرفته من معرفة كامل النص: «إِيَّاكُمْ فَقَطْ عَرَفْتُ مِنْ جَمِيعِ قَبَائِلِ الأَرْضِ لِذَلِكَ أُعَاقِبُكُمْ عَلَى جَمِيعِ ذُنُوبِكُمْ». 3هَلْ يَسِيرُ اثْنَانِ مَعاً إِنْ لَمْ يَتَوَاعَدَا؟ 4هَلْ يُزَمْجِرُ الأَسَدُ فِي الْوَعْرِ وَلَيْسَ لَهُ فَرِيسَةٌ؟ هَلْ يُعْطِي شِبْلُ الأَسَدِ زَئِيرَهُ مِنْ خِدْرِهِ إِنْ لَمْ يَخْطُفْ؟ 5هَلْ يَسْقُطُ عُصْفُورٌ فِي فَخِّ الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ شَرَكٌ؟ هَلْ يُرْفَعُ فَخٌّ عَنِ الأَرْضِ وَهُوَ لَمْ يُمْسِكْ شَيْئاً؟ (عا3: 2- 5).
الله هُنا يُحدث شعب إسرائيل عن عقوبتهم إن تركوه وذهبوا وراء ألهة أُخري، والله لا يُرسل لهم هذه العقوبة بيده بل هم بتركهم إياه فيسقطون من نعمته التي كانت تحفظهم ويتحملون نتيجة أو توابع الشر الذي تبعوا طرقه، ولذلك يقول: (هَلْ يَسِيرُ اثْنَانِ مَعاً إِنْ لَمْ يَتَوَاعَدَا؟) بمعني: هل أسير معكم وانتم لا تريدون أن تسيروا معي! ويري القديس باسليوس أن الله يترك أيدي الخطاة فيسقطون من نعمته إلي نتائج شرهم، وذلك لكي يوقف الظلم قبل أن ينتشر ويمتد إمتداداً فائقاً مثل تيار النهرالذي يوقفونه بسد او بجدار متين قوي.[1]
لكن ماذا عن ان الرب هو خالق الشر؟
الله قد خلق البشرية ولهم إرادة حرة (free choice)، والإرادة الحرة قد أوجدت الشر في العالم.
إذاً، فالله أوجد إمكانية حدوث الشر بخلقه كائنات لها حُرية الإرادة، لكن هذه الكائنات الحرة قد أوجدت هذا الشر فعلياً. فالله خلق شئ جيد وهو قوة الإرادة الحرة، ولكن الكائنات الحرة أخرجت الشر بإرادتها الحرة، فالشر تحت سلطان الله وليس خارجاً عن قدرته أو سيطرته، وهذا هو معني النص أن الله يسمح بحدوث الشر ولا يُعززه ويُحدثه (بالرغم من أن تلك ليست رغبته ولكن سماحه بحرية الإرادة يقتضي بسماحة لحدوث الشر الناتج عنها) [2].
ويقول ق. أغسطينوس: كلمة يخلق هُنا تعني يأمر ويُنظم، وفي كثير من المخطوطات كُتِبَت: "انا اصنع الخير وأأمر الشر". فكلمة (أصنع) تعني أن أعطي وجود شئ لم يكن موجود علي الإطلاق، بينما (الأمر) هو ترتيب لشئ موجود بالفعل بطريقة يمكن بها أن يتحول لخير عظيم[3].
ورأي القديس أغسطينوس هُنا صحيح، فكلمة خلق في الكتاب المُقدس لا تعني دائماً الخلق من العدم، بل في كثير من الأحيان تُشير إلي تنظيم وتغيير شئ موجود بالفعل إلي شئ آخر. هذا ما نبهنا له القديس باسليوس إذ يقول:
عندما يقول المُرنم: (قلباً نقياً أخلق فيّ يا الله.. مز 51: 1) لا يعني انه يطلب من الله ان يخلق له قلباً آخر لكن تعني انه يطلب من الله ان يُجدد قلبه الذي عتق من الشرور ليصير جديداً. وأيضاً بولس الرسول يقول: (ليخلق من الإثنين إنساناً جديداً.. أف 2: 15) لا يعني ان الله يخلق من العدم لكن تجديد الإثنين الموجودين بالفعل، كذلك أيضاً عندما يقول: إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة (2كو5: 17)[4].
إذاً كلمة خالق الشر هُنا تعني تنظيم الحدث الذي يُعتبر شراً وتغييره، أو بمعني آخر تعني سلطة الله في التدخل والسيطرة علي حالة الشر وتغييرها إلي خير.
وبالطبع ليس كل ما يقال عليه انه شر هو شر بطبيعته، بل هناك أشياء تبدوا لنا شر إلا انها في النهاية تؤول إلي خير، ولذلك يقول الأب ثيؤدور: حينما يتحدَّث الحكم الإلهي مع البشر يتكلَّم معهم حسب لغتهم ومشاعرهم البشريَّة. فالطبيب يقوم بقطع أو كيّ الذين يعانون من القروح لأجل سلامة صحّتهم، ومع هذا يراه غير القادرين على الاحتمال أنه شرّ[5]. اعتاد الكتاب المقدس أن يستخدم تعبيريْ "شرور"، "أحزان" في معان غير مناسبة، فإنها ليست شريرة في طبيعتها وإنما دُعيت كذلك لأنه يظن أنها شرور بالنسبة لمن لم تسبب لهم خيرًا[6]. ويكتب ثيؤدوريت أسقف قورش: الله يدعو هذا شر، ليس لأنه شر بطبيعته، لكن لأن الناس يعتبرونه هكذا. وهكذا تعودنا نقول: (هذا يوم سئ)، ليس لن اليوم نفسه تغير لطبيعة آخري، لكن بسبب طريقة سير أحداث التي حدثت في ذلك اليوم قد أصبحت مؤسفة[7].